دروس على الخط في مقياس النظام التربوي في الجزائر

4-تحديات إصلاحُ المدرسة الجزائرية

- التحديات الداخلية : يجب على النظام التربوي أن يرفع ثلاثة تحديات داخلية.

في المقام الأول، ينبغي أن تترجم في المدرسة، التغيرات المؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي حصلت في الجزائر خلال السنوات الأخيرة وذلك بجعل المدرسة تقوم أحسن قيام، بإيصال قيم التسامح والحوار وتحضر التلاميذ لممارسة مواطنتهم في مجتمع ديمقراطي. وبعبارة أخرى، يتعلق الأمر بتحسين وجاهة التعليم أمام احتياجات المجتمع الجزائري الحالي.

وفي المقام الثاني، يتعين على المدرسة الاضطلاع جيدًا بوظيفتها في التربية وفي التنشئة الاجتماعية والتأهيل. وبمعنى آخر، رفع نوعية النظام التربوي (أي فعاليته الداخلية).

وفي المقام الأخير، يجب عليها مواصلة تطبيق ديمقراطية التعليم: أي جعله في متناول أكبر عدد ممكن من التلاميذ، وضمان حظوظ متساوية في النجاح لكل تلميذ. وبعبارة أخرى، يجب زيادة الإنصاف في النظام التربوي. (بن بوزيد، 2003،10-11)

كذلك من بين التحديات الداخلية:

- انعدام طريقة واضحة لإصلاح المنظومة التربوية التي لا تزال تعاني من لإشكالية سبل الإصلاح وتحديد أهدافه والقائمين عليه، مما يفسر التذبذبات والتعثرات التي شهدتها وتشهدها لحد الساعة، وما تعاقب عدة إصلاحات في ظروف زمنية قياسية إلا دليل على ذلك (إنشاء مجلس أعلى وحله قبل أن تنفذ مبادئه وتوضح معالمه ودون أن يعلن عن أسباب حله).

- سوء التنسيق وعدم التكامل بين قطاعات المنظومة التربوية والتي تمثلها الوزارات الثلاث، وزارة التربية الوطنية ووزارة التعليم العالي ووزارة التكوين المهني وهي الوزارات المعنية بإنجاح المسار التربوي في الجزائر.

- ترسيخ الانتماء الحضاري للمدرسة الجزائرية حيث كان التفتح الديمقراطي في الجزائر وتعدد الأحزاب السياسية سببا للهجوم على المدرسة الجزائرية، وإرجاع جل مشكلات المجتمع إلى المدرسة وتوجهها العربي الإسلامي.

- التحديات الخارجية: يجب على النظام التربوي كذلك، أن يرفع عدة تحديات خارجية منها:

- تحدي الإعلام العالمي والثورة التكنولوجية: فإذا أخذنا بمنطلق أن العولمة ليست نتيجة من نتائج المعلوماتية والاتصال والإعلام، بل هذه الأخيرة دعامة من دعائم العولمة وشرطاً لتحقيقها وتطويرها، فإننا نصل إلى أنه، على منظومتنا التربوية في العالم العربي، الأخذ بعين الاعتبار هذا التحدي المعلوماتي، ليأخذ التعليم بذلك على عاتقه دور التوعية من مخاطر هذه الآليات وتبيان إيجابياتها وسلبياتها وسبل توظيفها وحسن استغلالها.

ولتجاوز هذا التحدي أو التغلب عليه، رأى البعض، أنه لا يتحقق إلا بالإجابة على بعض التساؤلات، هي:

- هل يمتلك كل تلميذ أو طالب في المجتمع (الجزائري) جهاز حاسوب؟

- هل يمكن لكل طالب علم في منظومتنا التربوية، أن يدخل إلى عالم المعلومات الآلية والنشر الالكتروني والانترنيت؟ بمعنى هل يمكن أن يتموضع داخل هذه الآلية المعلوماتية المتطورة؟ وهل يجيد فنون استخدامها؟ هل تتوفر مكتباتنا ومؤسساتنا على آليات المعلوماتية؟

- تحدي اللغات الأجنبية: أمام تحدي العولمة، تزداد أهمية المعالجة العربية للحاسوب لمواكبة العصر وحضارته، وبما أن الحاسوب أمريكي المولد، فقد اتخذت تقنياته ونظم المعلومات فيه اللغة الإنجليزية أساساً لها ليفرض بذلك قيودا على اللغات الأخرى وتمثل اللغة العربية طرف نقيض للغة الانجليزية من وجهة النظر الحاسوبية. ومن هنا كانت العقبة الصعبة أمام تعريب الحاسوب، وأصبح حاجز اللغة من أشق الحواجز على المستخدم العربي.

وأصبح بذلك كسر هذا الحاجز فرض عين على منظمتنا التربوية، ولا يتأتى ذلك إلا بتوفر مجموعة من الشروط هي الإنتاج الفكري والعلمي الذي يؤدي بدوره إلى الإنتاج التكنولوجي، ولن يتحقق ذلك إلا بامتلاكنا للغة التي تعبر عن أفكارنا وإبداعاتنا... فلا توجد حضارة تطورت لغة غير لغتها الأصلية، ولن يكون مستقبل مجتمع يتقدم أو يتحضر بلغة أجنبية عنه. غير أن هذا لا يعني تحاشي تعلم اللغات الأجنبية بل على العكس من ذلك، لأن فيه وصول إلى العلوم والتكنولوجيا والتبادل والاتصال.

التحدي الاجتماعي: إن ما يشهده عالم اليوم من تحولات اجتماعية تتلف من مجتمع لآخر بحكم تأثير عوامل داخلية خاصة به أو خارجية تستدعي التنبؤ بمسارها والتحكم فيها، ويتكفل النظام التربوي في كل المجتمعات إلى حد كبير بهذه المهمة.

وما شهده المجتمع الجزائري في السنوات الأخيرة من تحولات اجتماعية، يتطلب نظاما تربويا يضع في أولوياته، العمل على النهوض الاجتماعي بأفراده، وما يتعلق به من تعليم للمدنية والتضامن الاجتماعي، ونبذ للعنف...

- التحدي السياسي: يتكفل النظام التربوي غالبا بالخيارات الجيو-استراتيجية، ويعمل على نشر الثقافات والدفاع عن المجتمعات ويهيئ ظروف تطبيقها، وفي هذا المجال يتطلب من النظام التربوي الجزائري بإصلاحاته أن يتماشى ومتطلبات هذا العصر وخياراته من تعليم اللغات الأجنبية وسياسة التبادل الثقافي والتعاون المجتمعي، خاصة في ميدان البحث العلمي والتكنولوجي والتكوين، هذا على الصعيد الدولي.

ولعل هذا ما وضعته الدولة الجزائرية في الحسبان في إصلاحاتها، حيث عملت على مراعاة متطلبات النظام الدولي الجديد، وما تفرضه عولمة القرن 21 من تحديات، لكن التساؤل الذي يطرح هنا، هل ستتمكن هذه الإصلاحات من التصدي لهذه التحديات؟ وكيف ستواجه هذا التحدي؟ وهل لها القدرة على المواجهة؟ وبما؟ وكيف؟

الإجابة على هذه التساؤلات تبقى رهينة معطيات التاريخ وشواهد وتجارب الميدان.

سابقسابقنهاية
استقبالاستقبالاطبعاطبعتم إنجازه بسيناري Scenari (نافذة جديدة)