محطات ومراحل تطورات السياسة الإقتصادية في الجزائر
أولا- تطور السياسات الاقتصادية خلال فترة المخطط التنموي الأول (1967- 1969):
لم يكن خطة اقتصادية بأتم معنى الكلمة، لأنه یفتقر إلى شروط التخطيط (كالشمول، تحديد الأهداف، الدقة،...) كما أنها لم تحدد مؤشرات قيمية ولا كمية بل جاءت على شكل مشروع استثماري قطاعي إجمالي، بعض المشاريع منها تعود إلى مشروع قسنطينة ومشاريع أخرى جديدة عهد إنجازها إلى مكاتب دراسات أجنبية، الأدوات والتقنيات التي استعملت فيه كانت ذات طابع عملي ميداني بناء على احتياجات مختلف القطاعات الاقتصادية.
كان الهدف منه تحضير الوسائل المادية والبشرية والهياكل الاقتصادية والاجتماعية والإدارية للتكيف مع سياسة التخطيط المركزي الجديدة التي تم تبنيها، ورسم لبعض الاتجاهات في إطار استراتيجية التنمية المتبناة في الجزائر.
وخلال تخطيط وتنفيذ هذا المخطط كان الرهان قائما على زيادة الفعالية في الإنتاج والتشبث بقطاع الصناعة، ومنه فقد كانت تقديرات المبالغ المخصصة لصالح هذا القطاع تشير إلى تخصيص ما يقارب 5400 مليون دج، ليتم الإنجاز الفعلي ب 4700 مليون دج أي بنسبة إنجاز 87 %، أما القطاع الفلاحي فقد خصص له ما يقارب 1869 مليون دج، ليتم الإنجاز الفعلي 1606 مليون دج أي بنسبة إنجاز 85.9 %، ومن ناحية التقييم فإن هذا المخطط لا يعطي صورة تقييمية متكاملة نتيجة للمدة القصيرة التي استغرقها، ولكنه رسم طريق إلى مخططات أخرى.
ثانيا: تطور السياسة الاقتصادية في الجزائر خلال المخطط الرباعي الأول (1970-1973):
حدد هذا المخطط اتجاهات التخطيط الجزائري الموجه نحو الصناعات الثقيلة و المحروقات، فقد أحدثت السلطات المركزية في هذا المخطط إصلاحات عميقة على شكل التمویل القدیم، حيث أجبرت المؤسسات العمومية على فتح حسابين: أحدهما للاستغلال و الآخر للاستثمار، و كان یتم تمویل نفقات الاستغلال بقروض قصيرة الأجل، بينما نفقات الاستثمار فيتم تمویلها بقروض متوسطة و طویلة الأجل من طرف البنوك التجاریة أو الخزینة العمومية بالإضافة إلى القروض الخارجية.
إن أهم ما ميز هذه الإصلاحات هو أنها منعت المؤسسات العمومية من الاحتفاظ بالتدفقات الصافية لإعادة تشكيل رأسمالها وقيامها بعملية التمويل الذاتي، وذلك بهدف مراقبة مواردها المالية، هذا، وقد اتسم هذا المخطط بالخصائص التالية:
يعتبر هذا المخطط أول خطة اقتصادية شاملة في الجزائر وبدایة فعلية للتخطيط على النمط الاشتراكي، فالجماعات المحلية، الشركات العمومية و الوزارات الوصية بالتنسيق مع كتابة الدولة للتخطيط يتم ضبط المشاريع الاستثمارية و تحدد وزارة المالية معدل الاستثمار، و تعتمد عادة معايير في اختيار المشاريع مثل القيمة المضافة، الشغل، التوازن الجهوي، بينما تستبعد المردودية المالية لأنها في نظر المخطط تمثل معيارا برجوازیا .
الهدف الأساسي لهذه الخطة هي توفير الشروط التي تسمح بتأمين العمل الدائم لغالبية العمال الجزائریين في آفاق الثمانينات.
كان حجم الاستثمارات الإجمالية ما يقارب 27740 مليون دج وهو يمثل ثلاثة أضعاف المخطط الثلاثي، وقد أوليت من خلال هذا المخطط اهتماما كبيرا للقطاع الصناعي، حيث رصدت له نسبة 45% من مجموع المبلغ المالي المخصص لهذا القطاع، بالإضافة على أنها اعتمدت على التمويل الذاتي بالدرجة الأولى، وبالتالي فهي خطة طموحة جدا نظرا لتحديد معدل نمو سنوي مرتفع يقدر بـ: 9%.
ثالثا: تطور السياسة الاقتصادية في الجزائر خلال المخطط الرباعي الثاني (1974-1977):
هو عبارة عن استمرار للمخطط السابق المخطط الرباعي الثاني فقد خصصت له ما يقارب 110257 مليون دج، وهي تمثل ثلاثة أضعاف الرباعي الأول، و تميز بالخصائص التالية:
يبقى التصنيع في هذه الخطة أحد العوامل الرئيسية في عملية التنمية الاقتصادية، حيث استحوذت الصناعة والطاقة على نسبة 61 % من مجموع الاستثمارات.
لضمان السير الحسن لتنفيذ المشاريع تم تحديد الأولويات في التنفيذ خاصة المشاريع المستقبلية.
اهتم المخطط الرباعي الثاني بالجانب الاجتماعي من حيث توفير مناصب الشغل وزيادة فرصه، إجبارية التعليم، مجانية العلاج.
زيادة مبلغ الاستثمارات بشكل كبير نتيجة ارتفاع أسعار النفط باعتبار أن المصدر الرئيسي لتراكم رأس المال، كما تطورت الاستثمارات العمومية في كثير من القطاعات والفروع، إذ ارتفع معدل الاستثمار الخام من متوسط 35% سنة 1970 إلى 46 % من الناتج الداخلي الخام ما بين (78ـ79).
وكتقييم للمرحلة (1967-1979) فإنه نلاحظ تقهقر مشاركة القطاع الخاص في معدل الاستثمار، حيث سجل مع نهاية 1978 نسبة 5.04 %، كذلك النسبة الضعيفة الغلاف المالي الموجهة للقطاع الفلاحي إذا ما قورنت بقطاع الصناعة، حيث لم تمثل سوى 8 . 8 % في المتوسط خلال هذه الفترة، كما يلاحظ الأهمية الضعيفة لقطاع البناء والأشغال العمومية إذ كان يتلقى أضعف غلاف مالي على الإطلاق، وهو الشيء الذي أدى إلى ظهور أزمة السكن في هذه الفترة.
كما تجدر الإشارة بأن الجزائر خلال هذه المرحلة كانت تمول التنمية بنسبة كبيرة عن طريق القروض الخارجية، فقد ارتفعت الديون خلال هذه الفترة من 6 مليار دج سنة 1974 إلى 26 مليار دج سنة 1979 كما ارتفعت خدمة المديونية الخارجية من 43.2 مليار دج سنة 1975 إلى 14 مليار دج سنة 1979، أي بزياد أكثر من 50 % من مجموع الديون لنفس السنة.