دروس على الخط في مقياس النظام التربوي في الجزائر

1- قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر (قبل 1830)

إن التعليم في مرحلة ما قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر كان تعليما مزدهرا تتكفل بتمويله فئات الشعب الجزائري بكل الوسائل والآليات المتوفرة، سواء من هبات وعطايا أو الوقف الإسلامي أو الصدقات الممولة من الزكاة، تقدم لدور العلم والعبادة في المساجد والزوايا والكتاتيب، لم يكن الأتراك ينظمون العملية التعليمية في الجزائر، بل كانت متروكة للعمل الجمعوي إن جاز التعبير، لكنهم لم يعرقلوا نشر العلم ولم يقفوا في وجه من يتصدر لذلك بل كان هناك تشجيع في فترات معينة من خلال إكرام أهل العلم في المناسبات الرسمية، لم يكن للعثمانيين في الجزائر سياسة للتعليم، ولا خطة رسمية لتشجيعه والعناية بأهله وتطويره وتوجيهه وجهة تخدم المصالح الإسلامية العليا من جهة والمصالح الوطنية الجزائرية من جهة أخرى.

فحب التعليم كان نابعا من التمسك بالدين لدى الفرد الجزائري، فحث الدين على طلب العالم كان دافعا قويا للجزائريين للتحصيل العلمي، ولم يقتصر التعليم على الذكور فقط، بل امتد لتعليم الإناث ودوما تحت غطاء الدين وتوجيهه رغبة في تعلم الفرائض والقرآن الكريم من أجل إقامة الشعائر الإسلامية بصورة صحيحة. فالتعليم كان قبل كل شيء لرفع الأمية واستجابة لدعوة الدين في طلب العلم ومعرفة الفروض وليس لأغراض أدبية أو اجتماعية، وقد ذكر السيد شيلر الذي عاش في الجزائر أكثر من خمسة عشر سنة أن في الجزائر مدارس خاصة لتعليم البنات لم يشهدها هو لكن الناس حدثوه عنها وأن النساء هن اللاتي يدرن هذه المدارس.

والإحصائيات والأرقام الموثقة تدل على هذه الحقيقة في مدينة قسنطينة فقط كان يوجد بها عام 1837 أي قبل احتلالها 79 كتابا ومدرسة قرآنية يتردد عليها حوالي 1350 طفلا وطفلة.

كما قدرت الكتاتيب والزوايا في الجزائر سنة 1871 بحوالي 2000 بين زاوية وكتاب، موزعة على القطر الجزائري شمالا وجنوبا، تقدم لتعليم 28000 تلميذ تقريبا، فكانت في قسنطينة مثلا 90 مدرسة تحتوي على 1400 تلميذ سنة 1873، وسكانها قدروا بحوالي 24000 نسمة في نفس السنة حسب الإحصائيات الرسمية، كان في نواحي تلمسان 40 زاوية والعاصمة 100 مدرسة لتعليم القراءة والكتابة والحساب.

فالتعليم في تلك الفترة وبشهادة المحتل نفسه الذي يقر بأن حالة التعليم في الجزائر في بداية الاحتلال كانت أفضل من حالته في جنوب أوربا، أما فيما يخص الأمية فالجزائر في ذلك العهد كانت أفضل من فرنسا ذاتها وهذا بشهادة الجنرال ولسن استر هازي أن الجزائريين الذين يحسنون القراءة والكتابة كانوا في ذلك العهد أكثر من الفرنسيين الذين كانوا يقرؤون ويكتبون وأن 45% من الفرنسيين كانوا أميين حينذاك وأن الجزائر احتلها جنود فرنسيون من طبقة جاهلة تمام الجهل.

يجب علينا أن نعترف احتراما للحقيقة أن المسلمين في إفريقيا الشمالية رغم انخفاض مستوى العلوم فيها وقلة الكتب كانوا يولون مسائل التربية والتعليم عناية لها قيمتها، أما إيفون توران فقد ذكرت في كتابها "المواجهة الثقافية في الجزائر المستعمرة" عن دوماس قوله: "إن التعليم الابتدائي كان كثير الانتشار بالجزائر أكثر مما نعتقد عادة، أن علاقتنا بالأهالي في المقاطعات الثلاث أثبتت أن متوسط الأفراد من الذكور يحسنون القراءة والكتابة".

فالفترة التي سبقت المحتل كانت فترة مضيئة في تاريخ التربية والتعليم في الجزائر رغم ما اعتراها من نقائص نابعة عن قدم وجود خطة مدروسة وأهداف محددة، ولكن على الأقل على الصعيد الشخصي للأفراد كانت نسبة الأمية في حدودها المتدنية، حيث نسبة الأمية في الجزائر عند دخول المحتل قدرت بـ5% فقط، وكتب عن ذلك الرحالة الألماني فيلهم شيمبرا حين زار الجزائر في شهر ديسمبر 1831 يقول: "لقد بحثت قصدا عن عربي واحد في الجزائر يجهل القراءة والكتابة، غير أني لم أعثر عليه في حين أنني وجدت ذلك في بلدان جنوب أوربا".

سابقسابقمواليموالي
استقبالاستقبالاطبعاطبعتم إنجازه بسيناري Scenari (نافذة جديدة)