النظريات المفسرة للانحراف
تعتبر مظاهر السلوك التي تصدر من أفراد المجتمع بصفة عامة والسلوك المنحرف بصفة خاصة من الظواهر التي شغلت تفكير معظم العلماء والمفكرين لذلك فإنه من الأهمية أن نسلط الضوء على ذلك التراث المعرفي والنظري الذي تركه لنا أولئك المفكرين في تفسيرهم لظاهرة الانحراف الأحداث، حيث أن هذه الظاهرة غير مقتصرة على مجتمع دون سواه، بل وأصبحت من الظواهر التي زادت في الانتشار مما يدعو للاهتمام بها ودراستها وتحليلها للوقوف على اهم الأسباب التي من شأنها تدعيم او انتشار هذه الظاهرة او العوامل التي من شانها الحد منها بعد أن برزت بشكل واضح وخصوصا في المجتمع العربي الحديث التي يهتم بدراسة ظواهره بصفة عامة والمجتمع الجزائري بصفة خاصة سواء من الناحية الوقائية أو العلاجية وبالتالي فنحن في هذا الجزء من الدراسة نحاول توضيح بعض النظريات التي فسرت ظاهرة الانحراف (الأحداث) فلقد حاولت عدة نظريات تفسير هذه الظاهرة سواء نفسية او اجتماعية كمحاولات لتفسير السلوك الانحرافي ولماذا يصبح منحرفين في حين لا يصبح البعض الآخر كذلك إلا أننا ينبغي أن نضع في الاعتبار دائما أن تفسير أي سلوك أو ظاهرة في ضوء مفاهيم إحدى النظريات قد لا يمثل الظاهر كلها، وإننا بهذا نؤكد في الواقع على ضرورة الأخذ بتعدد الأسباب التي تكمن وراء أي سلوك [3][2] [3][1]
النظرية النفسية
تنطلق النظرية النفسية عامة من محاولة تحليل السلوك الجانح من خلال البعد الذاتي للشخصية المنحرفة فهي لم تهتم به كظاهرة اجتماعية بل ترتكز على المنحرف كفرد قائم بذاته وتحاول من خلال دراسته ان تتوصل إلى اكتشاف مختلف الأسباب التي دفعت به إلى الانحراف، وهي تهتم منطقيا بالأسباب النفسية أساسا دون أن تنكر المؤثرات الخارجية لكنها أي الدراسات النفسية ترتكز أبحاثها على ميدانها وهو فهم السلوك المنحرف من خلال الشخصية وتكوينها وطبيعة الوعي الفاعلة فيها.
فمساهمة التحليل النفسي في فهم السلوك الجانح والمساعدة على خطط فعالة لعلاجه ليست منطلقا موضع شك ويمكننا القول باختصار بأنه من العسر فعلا إن لم يكن من المستحيل دراسة الجانح نفسيا وشخصيا دون الاستعانة بنظريات وأبحاث التحليل النفسي سواء وضعت في الأصل للمنحرفين أم لغير المنحرفين.
حيث ساهمت في فهم وإدراك السلوك المنحرف كما ركزت على الاضطرابات النفسية التي تصيب الأطفال وساعدت على فهم شخصية الأحداث المنحرفين في وضع سياسات وبرامج علاجية وقد اهتمت هذه النظرية عند فهمها وتحليلها لظاهرة الانحراف بعلاقة الأبوين بالأبناء وخاصة في الطفولة والحرمان العاطفي [13][3][2] [3][1]
فقبل الاهتمام بدراسة خاصة على المنحرفين حصل تعميم نظرية العصاب على الجانحين واعتبر الانحراف في بداية كشكل من أشكال العصاب ويعتبر علماء النفس ان هذا الانحراف ينتج عن معاملة الوالدين للحدث بتزمت وضغط شديدين ونجد ان ذات الطفل العادية لا تجد القوة الكافية لكي تسمو بدوافعها إلى أنواع من السلوك المقبول اجتماعيا وبدلا من ان تحاول هذه الذات كبت الدوافع التي تؤدي إلى انتهاك سلوكات معينة لا تتناسب مع المعايير السائدة وذلك بغية تنفيس الاحتقان الذي يعاني منه وما ذلك إلا عبارة عن عمليات دفاعية تقوم بها الذات في سبيل المحافظة على التوازن وعدم الانهيار
كما ان العوامل نفسها ممكن أن تؤدي على نتائج مختلفة فالحرمان العاطفي في الطفولة المبكرة قد يؤدي إلى العصاب او الذهان او الانحراف
كما يقول المحللون إن حرمان الحدث من الأم له دور كبير في عدم نمو الواقع (أنا) وإن اضطراب نمو (الانا الأعلى) يساعد على الانحراف أي أن القيم الاجتماعية غير واضحة ومكونات ألأنا الأعلى تافهة بل يصبح هناك علاقة مودة بين الانا والأنا الأعلى.
وفي ضوء ذلك يفسر السلوك المنحرف باعتباره "أعراضا لاشعورية لإشباع نزعات جنسية أحيانا وعدوانية واحيانا أخرى فوجدوا ان الانضمام إلى العصابات فيه إشباع للنزعات الجنسية السلبة المكبوتة كما وجدوا أن الشعور بالذنب والرغبة في تأنيب الذات وعقابها قد يكون أحيانا سببا في الانحراف حيث يعرض الفرد نفسه للعقاب ليخفض من الشعور بالذنب.
إن الحرمان العاطفي يؤدي إلى هز بنية الشخص في أعمق مستوياتها النفسية ويعيش الحدث المحروم عاطفيا في حالة متفاوتة من الضعف الذي يتراوح ما بين التشاؤم واليأس من ناحية وبين السوداوية من ناحية ثانية كما يعاني هؤلاء وبدرجات متفاوتة من قصور النضج العاطفي والجنسي كما أن الحدث المحروم عاطفيا لا يتوجه نحو الانحراف منذ البداية إذ انه يحاول أن يتكيف ويبذل الجهد اللازم لكن نوبات التشاؤم تمنعه من الثبات في سلوكه فيفقد الثقة بنفسه وينغلق على ذاته ويزداد توتره الداخلي لذلك فإن عملية تأهيل المحروم عاطفيا ومساعدته على الوصول إلى النضج العاطفي والعلائقي والاجتماعي تظل أمرا عسيرا ويستغرق سنوات من الجهد.
فتطور مفهوم أسباب تكوين الشخصية الجانحة ليشمل ثلاثة مراحل أساسية فالمرحلة الأولى هي حيث الجانح إنسان بدون "أنا أعلى" والثانية الجانح انسان ذو "أنا أعلى" عنيفة والثالثة فهي الاهتمام "بالأنا" والعلاقات وتعالج كل مرحلة أمرين اثنين هما مركز الخلل في شخصية الجانح الذي يؤدي به الى السلوك المنحرف وأسباب هذا الخلل تاريخيا تكوينيا أو جدليا تفاعليا .,
كما أنها تفسر السلوك الانحرافي بما يحصل الجانح من خبرات الطفولة المبكرة وخاصة ما يعانيه فيها من صراعات عائلية وما يتصل منها بعلاقته بأمه وربما يكون قد أبعد عنها بسبب الموت والانفصال او الطلاق وقد تقوم الأم نفسها باستبعاده من حياتها ويؤثر فيه الظلم الواقع عليه والاضطهاد الذي يجره اليها الحرمان من الحماية فيحسب العالم كله بؤرة فساد ويركن إلى هذه الرؤية فيمتنع عليه أن يتكيف مع ظروفه بالشكل السليم. [ 15][4][3][2] [3][1]
ويؤكد كثير من الباحثين على دور الحرمان من الأم في تموين السمات الانحرافية لشخصية الحدث ونموها معه.
ولقد ثبت كذلك أن معاملة الطفل بالقسوة من قبل أبويه أو ولي أمره تولد فيه الميل إلى الإقبال على الانحراف وذلك لدى بعض ولربما يتحدث الأبوين إلى طفلهما حديثا متضاربا فيؤمر بعدم الكذب مثلا ويطلب منه مع ذلك أن يكذب فيما يتعلق بأمور حياتهما عند الجيران والأقارب وهذا التناقض في التربية والآداب يصيب الطفل بالحيرة فلا يرى كيف يستجيب عندما يحين الحين ويجعله بوجهين وينمي فيه الكذب والنفاق وهما أسباب الاضطراب الانفعالي عند الجانحين وبالمثل فإن الوالدين قد يبالغان في تدليل الطفل والتدليل المفرط كما أن الشدة إفراط وكلاهما قد يستحدث بالطفل سمات تلبية أو سمات عصابية.
حيث وصف S.Freud نمط من الجانحين الجانح من خلال الإحساس بالذنب هذا الأخير الذي يملك أنا أعلي يتميز بالعنف الذي يظهر على شكل مشاعر الذنب قوية تحتاج إلى عقاب كي تهدأ كما ارتكزت هذه النظرية في تفسيرها للانحراف على ديناميكية الجهاز النفسي المتعلقة بالصراعات النفسية والاندفاعات اللاشعورية التي تؤدي إلى إلى المرور إلى الفعل حيث اهتمت بالتوظيف الجانح في الاقتصاد النفسي للفرد عوضا من التركيز على الشخصية الجانحة أوز الإجرامية
أما winnicott 1956 يرى أن الجنوح يرجع إلى الأطوار الأولى من الحياة والتي لم يتلقى فيها الفرد مساعدة على التحكم في الذات إذن الأعمال المضادة للمجتمع ناتجة عن فقر عاطفي مبكر لعدم استمرارية الموضوع في التواجد باستمرار وغياب الموضوع لا يشكل الإحساس بالذنب الأمر الذي يؤدي إلى غياب ألانا الأعلى
ومن خلال العرض السابق يمكن القول إن نظرية التحليل النفسي تفسر السلوك الانحرافي على أساس أن الفرد المنحرف تكون لديه مكونات ألانا الأعلى الضعيفة بحيث أنها لا تعمل على منع الفرد من القيام بأفعال منحرفة وتتكون الأنا الأعلى غير السوية لدى الفرد من خلال الظروف الأسرية التي عاش فيها الفرد وبذلك يمكن وصف تلك الظروف بأنها مضطربة تسمح له بارتكاب السلوك المنحرف حيث إنها لا تحتوي على أنها لا تعمل على منع الفرد من القيام بأفعال منحرفة فالسلوك الانحرافي طبقا لنظرية التحليل النفسي يرجع أساسا إلى الاضطراب الذي يحدث بين
مكونات الشخصية الثلاثة (الهو والأنا والانا الأعلى ) [13][3][2] [3][1]
فالانحراف هو نتيجة (صراع أو نزاع نفسي لا يمكن تجازوه ويقول S. Freud في هذا المجال أن السبب الذي يدفع أشخاصا منحرفين للقيام بأعمال غير مشروعة، كالسرقة والغش...... هو البحث عن الاتباع النفسي بعدما كانوا يعانون من الشعور بالذنب المرهق حيث أنه بعد القيام بهذه الأعمال يضعف الضعف النفسي بالتالي يتعين علينا أن نقرر بوجود الشعور بالذنب قبل الجريمة.
أما M.Klein فهي تؤكد على ان الشعور بالذنب هو مكون نفسي عند الطفل بصفة جد مبكرة واكتشفت أن العلاقة بين المولود الجديد وأمه تتميز بديناميكية نفسية تشبه عملية المد [14][3][2] [3][1]
النظرية الاجتماعية السيسيولوجية
يعتبر الانحراف من الناحية الاجتماعية خروجا عن السلوك المتعارف عليه من طرف الجماعة المرجعية فهو إذن مخالفة لنوع معين من القواعد السلوكية السائدة في المجتمع حيث إن هناك بعض التصرفات التي يحرمها المجتمع على أفراده لأن المجتمع يقوم على مجموعة من القواعد والمعايير والضوابط الاجتماعية التي تنظم أفراده في مختلف المجالات والقطاعات الاجتماعية وإذا حدث وأن حاول أحد هؤلاء الأفراد الخروج أو التمرد عليها فإن المجتمع سوف يصبح عرضة للفوضى والصراع الذي قد يؤدي إلى عدم الاستقرار والتوازن في البناء الداخلي للمجتمع فالمجتمع إذن هو الذي يحدد ماهية السلوك السوي وماهية السلوك المنحرف أو الإجرامي وفوق القيم والقواعد السائدة والتي يرسمها لنفسه وعلى ذلك فالانحراف كلمة نسبية تختلف من مجتمع إلى آخر ومن عصر لآخر
وعليه تنطلق نظريات الاجتماعية من دراسة ظاهرة الانحراف كونها ظاهرة اجتماعية تخضع لحركة المجتمع وقد فسر بعض رواد هذه النظريات أن الانحراف يتعدى السلوك الشخصي بدوافعه السوية وغير سوية ولا يمكن إدراك هذا السلوك إلا من خلال دراسة المجتمع ومؤسساته، وتوجه هذه النظريات الاجتماعية اهتماما بالعوامل الاجتماعية حيث توجد العديد من هذه النظريات التي فسرت السلوك الانحرافي ومن الطبيعي ليس هناك نظرية شاملة يمكن أن تعمم على جميع أنواع الانحراف ورغم اختلافها من حيث التسمية ومن حيث العلماء إلا أنها تتفق على أن البيئة الاجتماعية هي المسؤولة على هذا الانحراف
ويؤكد "تالكوت باسونز" T. Parsons على أن الانساق الاجتماعية هي مجال للتفاعل الاجتماعي الذي يعني مجموعة العلاقات المتبادلة التأثير بين أجزاء النسق والتي تهدف إلى تحقيق نتائج مشتركة , [13][3][2] [3][1]
ولقد طبق أصحاب الاتجاه الوظيفي أفكارهم في التربية والتنشئة الاجتماعية وقدموا اسهامات كثيرة في ذلك ومن أبرز المفكرين الاجتماعيين الذين كانت لهم إسهامات كبيرة في موضوع التنشئة الاجتماعية وفي مجال الانحراف والجريمة نذكر" ايميل دوركايم" E. Durkeim وتالكوت بارسونز T .Parsons حيث يرى دوركايم بأن "التربية هي التي تستطيع أن تؤدي إلى قيام التجانس حيث تثبت لدى الأطفال منذ الصغر مظاهر التماثل الأساسية التي تتطلبها الحياة الجمعية"
داخل المؤسسات الاجتماعية المتخصصة في ذلك كالمدرسة والتربية الأسرية فالتربية داخل الأسرة تهدف إلى غرس القيم والمبادئ والثقافة المجتمعية لدى الأطفال وجعل نموهم اجتماعيا طبيعيا سويا يمكنهم من التكيف الاجتماعي مع الأوضاع والظروف الاجتماعية وبذلك يتحدد على الوالدين باعتبارها أكثر الأشخاص احتكاكا بالأبناء معرفة الأساليب التربوية الصحيحة وفهم الخصائص النمائية للأبناء وهذا يخلق جوا أسريا يساعد على نمو الأبناء نموا سليما وبالتالي اتباع أنماط تربوية وسلوكية تتماشى مع ما حدده المجتمع من قواعد سلوكية لأفرادها كما يرى E. Durkeim "أن الطفل بطبيعته أناني مخرب كثير الحركة ميال إلى القسوة ولأن التربية تحاول أن تغرس فيه حب الغير والنظام والمحافظة على الأشياء والشفقة على الغير.
ولكن قد يحدث وأن تفشل وسائل التربية وأساليب التنشئة الاجتماعية في تهذيب سلوك بعض الأبناء مما قد يؤدي إلى مجموعة من المعوقات قد تعرقل النسق الاجتماعي في أداء وظائفه ومنه تظهر حالة من فقدان التوازن والاختلال بسبب انحراف البعض منهم سواء في أداء وظائفهم أو في قيامهم ببعض السلوكات المناوئة وغير المقبولة من طرف المجتمع ولذلك نجد "دوركايم" يناقش ما يسمى اللامعيارية التي يعرفها ":بأنها حالة من الاضطراب تصيب النظام والعلاقات بين الأعضاء في عملية تقسيم العمل او هي حالة ينعدم فيها الانتظام والتسيب الناجم عن أزمات اقتصادية او كوارث أسرية في نفس الوقت مما يؤدي إلى الانحراف".
إن هذا التعريف يشير إشارة واضحة إلى إن مجالات اللامعيارية قد حددها E. Durkeim في ثلاثة مجالات هي المجال الاقتصادي، المجال الأسري ومجال تقسيم العمل.
فالأول يشير إلى الأزمات الاقتصادية وعلاقتها بالانحراف وفي هذا يقدم هنا دوركا يم مثالا عن الانتحار، حيث يرى أنه شكل من أشكال الانحراف وفقدان المعايير والضوابط بحيث ترتفع نسبة الانتحار بشكل ملحوظ في حالات الأزمات اقتصادية والمالية وقد قدم في ذلك بعض الإحصائيات يمكن ذكر على سبيل المثال ما تم تسجيله في عام 1973 216 حالة، فإذا كانت الأزمات الاقتصادية تؤدي إلى ارتفاع حالات الانتحار فذلك لكونها "اضطراب في النظام الجماعي وفقدان تام لعملية التنظيم التي تميز الظروف الاقتصادية للمجتمع الذي كان يعيش فيه والذي يترك الباب مفتوحا لكل نوع من المخاطرة وأنه طالما أن الخيال جائع دائما ومتلهفا للتجديد وغير محكوم بقيود فإنه يقع في العشوائية وهنا تحدث الأزمات والكوارث العظمى"
*أما المجال الثاني والمتمثل في المجال الأسري فتتمثل اللامعيارية في فقدان أحد الوالدين او اثنين سواء بسبب وفاة أو طلاق او غياب والهجرة والذي يؤدي إلى سوء توافق الأطراف الأخرى مع الموقف الجديد والذي أصبحوا فيه هو المسؤولين عن كل شؤون الأسرة ويقدم لنا E.Durkeim دليلا على أن تغير عدد حالات الانتحار يتغير تبعا لتغير عدد حالات الطلاق والانفصال وأن هناك توازن في تغيير عدد حالات الانتحار وعدد حالات الطلاق لأن كليهما يعتمد على نفس العامل فهو درجة وضوح الأشخاص ذوي التوازن الاجتماعي غير مستقر.
حيث يؤكد دوركايم أن للعوامل الاجتماعية دور هام في الجنوح إضافة إلى المرض النفسي أو المرض العقلي فالسبب الذي يقود عدد لا بأس به إلى المحاكم مرده إلى الاضطرابات النفسية متفاوتة في شدتها وهذه الاضطرابات تنبع أصلا من المحيط الأسري المتفكك والمتأزم أو المريض الذي يحيط بالجاني والذي يرافقه من مراحل حياته الأولى إضافة إلى الظروف اجتماعية التي تعزز اضطرابات الأسرة.
وعلى مستوى الأسرة فهناك الكثير من العوامل التي تؤدي إلى السلوك المنحرف وأهمها تدني المستوى الثقافي والتعليمي للأهل وجهلهم بضرورة تربية الأبناء ورعايتهم والخصومات بين الوالدين وتعارض (تناقض) نماذج التربية والمواقف من الأبناء وانعدام الوحدة في وجهات النظر والأسلوب الحياتي يضاف اليه تراخي وغياب سلطة الأب والاضطراب النفسي-اجتماعي لأحد الوالدين أو كليهما من إدمان ونسق وحقد على الأبناء وقد يدفع إلى انحراف وجنوح المراهق الدور الاجتماعي.
أما نظرية القهر الاجتماعي: فإنها تذهب إلى ان ظاهرة الانحراف ظاهرة اجتماعية ناتجة عن قصر والتسلط الذي يمارسه بعض الأفراد اتجاه البعض الآخر خاصة الأبوين اتجاه أولادهم، فالفقر مثلا باعتباره انعكاسا لأوضاع اجتماعية معينة يدل على انعدام العدالة الاجتماعية بين الطبقات مما يولد عملية الرفض والعصيان للقيم والنظم الاجتماعية السائدة في المجتمع وهذا ما يؤدي إلى اختلال النسق الاجتماعي واضطرابه ومن ثمة بداية الانحراف. [13][3][2] [3][1]
كما أن الانحراف من وجهة نظر هذه النظرية هو نتاج لعدم التوازن بين الأهداف الفردية والوسائل المستخدمة في تحقيق هذا الهدف غير أنه ليس بإمكان كل فرد تحقيق هذه الأهداف بالطرق الشرعية وهذا لاختلاف في الاستعدادات والقدرات والإمكانيات مما يدفع البعض إلى سلوك طرق غير مشروعة كالسرقة والنصب والاختلاس .....الخ لتحقيق أهدافه وهنا يبرز القهر الاجتماعي باعتباره ميكانيزم للردع والعقاب في توليد الضغط لدى بعض الأفراد مما يدفعهم للانحراف الاجتماعي.
ومن الاتجاهات السوسيولوجية الهامة التي تناولت موضوع الانحراف نجد نظرية موضوع الانتقال الانحرافي التي تذهب إلى القول ان الانحراف سلوك مكتسب ويستند اعتقاد هذه النظرية على الفكرة القائلة "بأن مستوى الجرائم الحاصلة في منطقة معينة تبقى لسنوات مستقرة ضمن نسبها المؤوية أي أن الانحراف إذا ظهر في بيئة اجتماعية معينة فلا بد من الاستمرار في تلك البيئة حيث يتعمق ذلك الانحراف في التركيبة الثقافية والاجتماعية للمنطقة وينتقل الطابع الانحرافي من فرد لآخر", أي أن الانحراف عدوى ينتقل في الجسم الاجتماعي من خلال التفاعل والاحتكاك بين الأفراد وبالتالي تتسع دائرة الانحراف والإجرام عن طريق الاستقطاب والجذب.
وبناءا عليه فهناك عوامل مرتبطة بالبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الفرد وتساعده على تكوين شخصية منحرفة (المنحرف) ومن هذه العوامل نذكر: احتكاك الفرد بالمنحرفين وتكوين صداقات معهم بحكم التقارب في السن أو في المدرسة أو في مهنة معينة على جانب وجود قدر من الانفتاح والاتصال مع المنحرفين فكلما كانت درجة الانفتاح كبيرة كلما زادت فرص انحراف ذلك الفرد.
في حين تؤكد نظرية "الإلصاق الاجتماعي " إلى أن الانحراف هو نتاج لنجاح جماعة من الأفراد في الإشارة إلى أفراد آخرين بأنهم غير منحرفون أي إلصاق صفة أو سلوك بفرد أو جماعة فنعت الغرب الأول مثلا بالتخلف وعدم التحضر وتكرار وتداول هذا النعت في وسائل الإعلام أدى إلى لصاق وثبوت هذه الصورة لدى رأي العام الغربي وتقوم هذه النظرية على فرضية " الصراع الاجتماعي بين الأفراد ومحاولة اتهام بعضهم البعض بالحيود عن المجرى العام للسلوك الاجتماعي"
وينقسم الانحراف من وجهة نظر هذه النظرية إلى قسمين:
انحراف مستور :وهو الانحراف الذي يرتكبه الشخص في فترة ما من حياته ويبقى مستورا أي لم يدركه أحد ليستقيم في باقي مراحل حياته كأن يسرق الولد المال من بيته مرة أو مرتين غير أنه عندما يكبر يصبح سلوكه سلوكا سويا أو قد يتهرب أحدهم عن دفع ضريبة الحكومية مرة أو مرتين إلا أنه سلوك الاجتماعي يبقى مقبولا.
*الانحراف الظاهر:وهو يعني افتضاح أمر بغض الأشخاص عند القيام بسلوك انحرافي ما يؤدي إلى التشهير بهم أمام الجميع وإلصاق هذا السلوك المنحرف بهم ومعاقبة النظام الاجتماعي له على هذا السلوك وبناءا عليه يتصرف المنحرف بقوله لهذا التعريف ورضوخه للعقوبة الصادرة في حقه ولو كان المجتمع لا يعترف بهذا الإلصاق لما أصبح المنحرف منحرفا وسبب الضغط اجتماعي المفروض على سلوك المنحرف يتقارب المنحرفون من بعضهم البعض ليشكلوا مجتمع انحرافي صغير. [15][3][2] [3][1]