عادة استهلاك الشاي

بيع الشاي يوفر مصادر رزق لأصحابه

يمكننا في هذا المقام الإشارة إلى استدامة العنصر التراثي المتمثل في عادة استهلاك الشاي في الجنوب الجزائري. ففي الماضي لم يخل بيت من تحضير وتقديم الشاي للأسرة في أوقات محددة عند فطور الصباح وبعد الاستيقاظ من القيلولة بعد الظهر، كما يُقدّم في الجلسات عند اجتماع الأصحاب في بعض الساحات، وأيضا في السهرات. غير أن هذه العادة التي تعود إلى أجيال سابقة داخل الأسرة التقليدية لدى الجماعات الشعبية سواء في الأرياف أو الحواضر استطاعت أن تضمن استدامتها لدى الأجيال الحاضرة؛ وذلك لما تحمله من قيمة اجتماعية وثقافية تتمثل في فاعليتها الاجتماعية أي قدرتها على توفير مناصب شغل لمئات العائلات الفقيرة والشباب العاطلين عن العمل حيث أضحت بالنسبة إليهم مصدر رزق كريم. وهكذا خرجت عادة تحضير الشاي من البيوت كما كانت في الماضي إلى الشوارع والطرقات في الحاضر، وصار محضرو الشاي يتنافسون على إجادة تحضيره بنار الحطب بجوار الأرصفة، وأحيانا داخل خيمات صغيرة فيها رمل نظيف يجلس عليه الشاربون الذين يتناولون الشاي بمذاقات متنوعة، مركزة ومخففة بالسكر وبدونه بحسب حاجة الزبون، كما أن فاعلية هذه العادة تتمثل في قدرتها على جمع الناس من حولها بإعطاء مواعيد لبعضهم في جلسات شاي عوض اللجوء إلى المقاهي التي يتردد عليها كل من هب ودبّ.

والحقيقة أننا أمام عنصر تراثي وافد من الماضي حقق عنصر الاستدامة من خلال فاعليته وقدرته على النفاذ إلى الجيل الحاضر الذي أضاف إلى عادة شرب الشاي بعض الرتوشات التجميلية ليتكيف مع الزمن الحاضر كنصب طاولة عرض للزبائن توضع عليها كؤوس الشاي وبيع أنواع من المكسرات العصرية المملّحة مثل "الأكاجو" و"اللوز" و" الفستق" و"الفول السوداني المقشور" بالإضافة إلى أنواع من الحلويات والعلك وغيرها. بل أكثر من ذلك، استطاعت عادة استهلاك الشاي تغيير أذواق الكثير من المواطنين من ولايات الشمال العاملين في الجنوب الذين صاروا مدمنين على الشاي عوضا عن عادة شرب القهوة التي كانت لديهم، وهذا بعد أن وجدوا أن الشاي أفيد لصحتهم مع تغير ذوقهم لصالح الشاي بالإضافة إلى فضول بعض السياح الأجانب إلى تذوق هذا الشاي في فضائه التقليدي.